الموسوعة الإعلامية




د كاظم الموسوي

صباح يوم الخميس 2018/2/15 قدمت افريقيا درسين مهمين من بلدين رئيسين في القارة السمراء. درس من اثيوبيا وآخر من جنوب افريقيا. هذان الدرسان تاريخيان في حياة البلدين والقارة والعالم لما حملا من قرارات صائبة ومواقف تسجل للتاريخ والمسؤولية السياسية والأخلاقية. ليس عمل أو قرار الاستقالة شيئا جديدا او عاديا ايضا في حالة المسؤولية في عالم افريقيا وجيرانها. ولكن أن تحمل الاخبار استقالة الرؤساء المسؤولين في الدولتين يؤشر بل يقدم درسا لكل المسؤولين في الحكم أو في الإدارة السياسية في العالم الافريقي وخارجه عامة.

 

من جنوب افريقيا أعلن الرئيس جاكوب زوما، استقالته من منصبه رسميا وبشكل فوري ليترك الحكم بعد تسع سنوات، وبعد أن دعاه حزبه، حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، لتقديم استقالته أو أنه سيواجه تصويتا بسحب الثقة منه داخل البرلمان.

 

في خطاب بثه التليفزيون الرسمي في جنوب أفريقيا، مساء يوم الأربعاء، قال زوما: "قررت الاستقالة من منصب رئيس الجمهورية بمفعول فوري، مع أنني على خلاف مع قيادة حزبي". وأكد على أنه لا يخشى التصويت بسحب الثقة منه في البرلمان، مضيفا :"لقد بذلت كل جهدي لخدمة شعب جنوب أفريقيا". وتابع زوما القول إن العنف والانقسام داخل حزب المؤتمر الوطني قد أثر عليه ودفعه لاتخاذ قرار التنحي. وأضاف :"لا يجب أن يموت أحد من أجلي أو ينقسم حزب المؤتمر الوطنى الأفريقي بسببي، ولذا فإنني قررت الاستقالة من منصب رئيس الجمهورية بأثر فوري". ولفت إلى أنه لا يتفق مع قرار قيادة الحزب، لأنه كان دائما "عضوا منضبطا" في المؤتمر الوطني الأفريقي. وأضاف "عندما أغادر منصبي، سأواصل خدمة شعب جنوب افريقيا وكذلك حزب المؤتمر، المنظمة التي خدمتها طوال حياتي".

 

مقابل ذلك أصدر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بيانا قال فيه إن استقالة زوما "منحت الثقة لشعب جنوب أفريقيا". وكانت تلك الاستقالة وفي ظروفها تعبيرا عن خيارات وإرادات وطنية وأخلاقية وانسانية، احترمت القوانين وحرمت الدماء ونظرت إلى آفاق ومستقبل البلاد ..

 

مثلما حصل في جنوب أفريقيا حدث في اثيوبيا، حيث قدم رئيس وزرائها هايلي مريم ديسالين استقالته من منصبي رئيس الوزراء ورئيس الائتلاف الحاكم في مسعى لتسهيل إجراء إصلاحات بعد سنوات شهدت اضطرابات واسعة.

 

قال هايلي مريم في خطاب للأمة نقله التلفزيون ”أدت الاضطرابات والأزمة السياسية لخسائر في الأرواح ونزوح كثيرين“. وأضاف ”أعتقد أن استقالتي ضرورية من أجل السعي لتنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي للسلام الدائم والديمقراطية“.

 

وقتل مئات الأشخاص في أحداث عنف في 2015 و2016 في منطقتي أوروميا وأمهرة وهما أكثر مناطق البلاد سكانا. واندلعت الاضطرابات في بادئ الأمر بسبب معارضة خطة تنمية حضرية للعاصمة أديس أبابا. واتسعت الاضطرابات لتتحول إلى مظاهرات احتجاجا على القيود السياسية وانتزاع أراض وانتهاكات حقوق الإنسان. وخلال العنف تعرضت بعض الشركات المملوكة لجهات أجنبية لهجمات مما أضر بثقة المستثمرين في البلد صاحب أكبر وأسرع نمو اقتصادي في شرق أفريقيا. حسب ما نقلت وكالات الانباء.

 

استقال هايلي مريم، وانهى فترة حكمه، ووافقت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية التي تمثل الائتلاف الحاكم على استقالته وبانتظار تعيين رئيس وزراء جديد.

 

جاءت استقالة هايلي مريم بعد أعمال عنف استمرت طويلا، او فرضت عليه، ولكنه اعترف بدوره وفق موقعه في السلطة فيما يجري في بلاده، ولا حلا واضحا أمامه سوى الاستقالة وانتهاج سياسة جديدة تتوافق مع مطالب الاحتجاجات والوحدة الوطنية،  والبداية في إقرار  الحكومة بالإفراج عن أكثر من ستة آلاف سجين سياسي منذ كانون الثاني/ يناير الماضي. وبينهم شخصيات معارضة بارزة وصحفيون، قد اعتقلوا بتهمة الضلوع في الاحتجاجات الحاشدة، وإخلاء السجون من أصحاب الرأي والمطالب المشروعة ووضع الخطط التنموية القادرة على إيجاد الحلول المناسبة والإصلاح الشامل.

 

المتشابه في اخبار الاستقالات كثير، ابرزه هنا أنهما جاءتا بعد حالات عنف واضطراب في البلدين، وان أزمة سياسية تعصف في النظام السياسي فيهما بسبب وجود هذين المسؤولين شخصيا، والحل الأفضل لهما ولشعبهما وبلادهما هو التنحي عن السلطة واقرار الإصلاح والتجديد وإعادة البناء فيهما. وفي خطابهما إشارات واضحة لما تؤول إليه الأمور اذا ما إصرا على البقاء وشعورهما بمدى الأزمة والهاوية هو الذي دفعهما لاختيار الأنسب والافضل، درءا لجريان الدم وتمزيق الوحدة الوطنية والسياسية وتسجيلا لموقف تاريخي لهما ولبلديهما سيذكر في حسابهما ويضاف الى دروس التاريخ.

 

الاستقالة أمر طبيعي بعد تفاقم الأزمات الوطنية وتحمل المسؤولية عنها، وطريق للتغيير والحلول الوطنية واعطاء نموذج لخطوات ديمقراطية بناءة في النظام السياسي والوحدة الوطنية. كما أنها حالة إيجابية تكشف عن فهم معين للدور والمهمات للقائد والحاكم وطبيعة الحكم والسلطة وسيرها في الإدارة والنظام. وحسب ظروف الاستقالة وتوقيتها تأتي أهميتها وتسجل لصاحب القرار فيها، وحين تتطابق مع شروطها تعتبر حلا توافقيا وطنيا وليس هروبا او تخاذلا. ومن هنا تعكس الاستقالة من المسؤول الأول ومن هو بموقعه نضجا سياسيا واحتراما للقانون العام والأعراف الحاكمة.

 

رغم بعض ما تعكسه حالة الاستقالة في جوانب معنوية أو شخصية او ما تعنيه في طبيعة اجرائها وصورة اتخاذها، او في خصوصية المسؤول والمجتمع والبلاد. ففي كل الاحوال تضع امرها في تغيير المسار وتنظيم الحلول التي تجدد في العملية السياسية وتفتح أبوابها من جديد بعد الاختناقات التي ألمت بها، او تاخذ مسارات اخرى ليست في حساباتها. او هكذا ينبغي أن تكون وتصبح في الاعتبار والقرار. وهنا الدلالة في استقالة زوما ومريم وما تقدم من دروس لهما ولبلديهما وعبرة لغيرهما وتجربة افريقية بامتياز. استقالتهما وكل في وطنه درسان او مؤشران جديدان لنضج سياسي وتحول في النظم السياسية الأفريقية.


@*@model web.ViewModels.NavMenuVM*@