الموسوعة الإعلامية




صادق حسين الركابي

تفاجأ العراقيون بالقائمة الانتخابية لرئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي و التي أعلنت على عجل و ضمت عدداً من الأسماء التي طال بعضها تهم فساد أو اعترفت بارتكابه. و الغريب في الموضوع أن الدكتور العبادي الذي لم يتوان عن التصريح بنيته الحرب على الفساد حتى لو دفع حياته ثمناً لذلك، تغاضى عن هذا الأمر من خلال قائمته أو تحالفه الانتخابي. 

البعض يبرر للعبادي ذلك بالقول أنه يتعامل بواقعية مع الأطراف السياسية الموجودة في الساحة و أنها خطوة تكتيكية لخوض الانتخابات و الفوز بكرسي الوزراة. لكن هؤلاء يتناسون أن الواقع خصوصاً بعد تحرير الموصل فرض أرضية جديدة و أعطى العبادي دفعاً قوياً كان يجب أن يبني عليه. فالشارع العراقي الذي يقدر جيداً تحرير الموصل في ظل حكومة العبادي كان يعلق الآمال الكبيرة عليه في تخليص العراق من وباء الفساد و الطائفية. 

و أخشى أن يكون العبادي قد تسرع في تقييمه لناخبيه. فهو بوضع قائمة ضعيفة و تحالفه الذي أفشل في أقل من أربع وعشرين ساعة أوصل عدداً من الرسائل الخاطئة لخصومه و مؤيديه. فالخصوم وجدوا أنهم باستطاعتهم ابتزاز العبادي و الحصول على اتفاقيات سرية قبيل الانتخابات تخدم أحزابهم و الشخصيات التي تمثلها. 

كما أنهم عابوا عليه في العلن وجود شخصيات في قائمته متهمة بالفساد. 

من ناحية أخرى تلقى الشارع العراقي هذا الأمر بغضب و صدمة و خيبة أمل. فالعبادي الذي كان يخطب فيهم صباحاً و مساءاً عن الحيتان الكبيرة و فسادهم بدأ يتكلم بمنطق سياسي جديد مفاده أن لا وجود لكتلة سياسية نقية وأخرى فاسدة وكأنه يقنع الناس بأن الأمر الواقع والفساد المستشري هو الحقيقة وعلى الشارع تقبلها. 

لقد كشفت القائمة الانتخابية المرتبكة للسيد العبادي أنه بالفعل ابتعد عن أية وجوه جديدة وكفوؤة كانت تنتظر منه أن يتحالف معها أو يدعوها للانضمام لقائمته لكنه آثر على البقاء في نفس الدائرة المغلقة من السياسيين الذين كان ينتقدهم. 

وقد يقول قائل أن السياسة شيء والشارع شيء آخر أو أن التعويل على أصوات الناس فقط سيكون مصيره الفشل. لكن السؤال ماذا سيكون مصير من يبني وزارته على شخصيات متهمة بالفساد؟ وهل سيكون قادراً على إزاحتهم مستقبلاً مشوهاً بذلك معالم حكومته أو مساهماً في تعطيل أعمالها؟

السؤال الأهم هو هل أن كرسي الوزارة أهم من طموحات الشارع و آماله؟ وإذا كان الشارع غير مهم فلماذا إذاً تجري الانتخابات أصلاً؟ هل يدل هذا على أن العملية الانتخابية مجرد ديكور لمسرحية تكتب فصولها في السر و تقسم فيها الأدوار خارج العراق لتمثل لاحقاً داخله؟ 

أياً كانت الإجابة فهناك حقيقة واحدة راسخة شاء من شاء و أبى من أبى و هي أن العراق باق و سيرحل كل من أساء إليه. و الشارع العراقي الذي ينتقده البعض بمقولة (علي وياك علي) بدأ يعي وعن وعي كامل أن إبرة المخدر التي أعطيت له بحجة مكافحة الفساد ما هي إلا وهم و خداع. 

من هنا أقول أن خطورة المرحلة القادمة تكمن في مواجهة الجوعى و المحرومين الذين عجز السياسيون عن الاستماع إليهم أو تحقيق الحد الادنى لمطالبهم. عندها فقط سيعرف السياسيون عن أي تحالف انتخابي أتكلم و سيدرك هؤلاء أن الانتخابات ليست كفتح مكة فهي لا تجب ما قبلها بل أنها جعلت لتصحيح الأخطاء و التكفير عن الخطايا لا تكريم مرتكبيها.


@*@model web.ViewModels.NavMenuVM*@