مظاهرات فرنسا: هل تستطيع الشرطة منع اشتعال التوترات في الضواحي السكنية مرة أخرى؟

  • لوسي ويليامسون
  • مراسلة بي بي سي في باريس
عقار بابلو بيكاسو السكني في نانتير غرب باريس حيث عاش نائل البالغ من العمر 17 عاما مع والدته

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، عقار بابلو بيكاسو السكني في نانتير غرب باريس حيث عاش نائل البالغ من العمر 17 عاما مع والدته

عاد الهدوء إلى لا غراند بورن. مرة أخرى تسيطر المافيا المحلية على مداخل هذا العقار السكني الضخم جنوبي باريس؛ بأسلحة مرئية ووجوه خفية.

فبعد أيام من أعمال الشغب، لم يعد هناك ما يشير إلى وجود الشرطة.

أخبرنا أحد ضباط الشرطة، شريطة إخفاء هويته أن "في بعض الضواحي، هناك استعداد وتسليح أفضل" لرجال الشرطة.

الضابط الذي تحدثنا إليه أمضى الأسبوع المنصرم في مواجهة مثيري الشغب في العديد من العقارات حول باريس، حيث تأجج الغضب في البلدات والمدن في أنحاء فرنسا لمقتل الشاب نائل، ذي الأصول الجزائرية الذي كان يبلغ من العمر 17 عاما.

وقُتل نائل برصاصة في نقطة تفتيش مرورية للشرطة في نانتير غربي باريس، وضابط الشرطة الذي أطلق النار من نافذة السيارة وضع رهن الاعتقال بتهمة "القتل العمد".

وقال الضابط إن أعمال الشغب كانت "عنيفة للغاية"، لكن المشكلة بين سكان الضواحي الفرنسية والشرطة أعمق بكثير من مجرد ألعاب نارية وقنابل مولوتوف.

وهناك انعدام ثقة واستياء كامن في مناطق مثل "لا غراند بورن"، ورغم أنها أقل وضوحا من الأسلحة التي تحملها العصابات هنا، لكن من المحتمل أن تنفجر بنفس القوة.

قال الضابط: "عندما نتدخل في بناية سكنية ما، يكون هناك خوف لدى الجانبين، لكن على الشرطة ألا تخشى شيئا، فالخوف لا يساعد في اتخاذ الخيارات الصحيحة".

السؤال المطروح الآن، من العقارات إلى قصر الإليزيه، هو كيفية منع اشتعال التوترات مرة أخرى.

دجيغوي ديارا هو صانع أفلام نشأ في لا غراند بورن، وهي واحدة من أفقر المجمعات السكنية في فرنسا.

دجيغوي ديارا
التعليق على الصورة، أوضح دجيغوي ديارا الانقسامات العرقية بين المجتمع والشرطة من خلال عمله
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

"أول لقاء لي مع الشرطة كان عندما كنت في العاشرة من عمري"، قال دجيغوي ذلك وأنا أجلس معه في ملعب خرساني بسيط كان يزوره عندما كان طفلا، وتحيطه بنايات سكنية منخفضة الارتفاع.

كانت الشرطة تتحقق من هوية عضو أكبر سنا في مجموعته، شخص كان يعده "الأخ الأكبر".

وقال: "لقد كانوا في غاية الوقاحة، فرد عليهم أخي الأكبر، فطرحوه أرضا، وكانت هذه أول مواجهة لي مع الشرطة"

وأضاف الشاب البالغ من العمر 27 عاما: "عندما كنت طفلا قلت لنفسي: سيكون هؤلاء عدوي الطبيعي".

كان ذلك في نفس الوقت الذي ألغت فيه فرنسا الشرطة المجتمعية، وهو أمر يعتقد دجيغوي أنه خطأ فادح.

وقال: "مع وجود الشرطة المجتمعية، لم يكن هناك عنف أو إجرام؛ فلغتهم كانت رائعة؛ تتسم بالاحترام. عليك أن تجمع بين الناس معا ليشعر كل منهم بالآخر".

وأضاف أنهم يحضرون الآن فقط عندما تقع مشكلة ما.

دجيغوي الذي يعني اسمه "الأمل" بلغة بامبارا في مالي، قال إنه أطلق عليه ضباط الشرطة اسم "غوريلا" و "قرد" خلال التحقق من بطاقة هويته.

قبل أربع سنوات، أخرج فيلما بعنوان Malgré Eux وتعني بالعربية (على الرغم منهم)، يوضح فيه الانقسامات العرقية بين السكان والشرطة في منطقته، وهو أمر يطرحه غيره من زعماء المجتمع في الضواحي الأخرى أيضا.

حسن بن مبارك
التعليق على الصورة، قال حسن بن مبارك إن قوات الشرطة المحلية بحاجة إلى أن تكون أكثر تنوعا عرقيا

في جينفيلييه، على الجانب الآخر من باريس، يقود حسن بن مبارك شبكة من الجمعيات المحلية التي أنشئت خلال أسابيع أعمال الشغب في عام 2005.

وقال: "نحن بحاجة أن يكون ما لا يقل عن 20 أو 25 في المئة من رجال الشرطة الذين يقومون بدوريات في الحي، من خلفيات عرقية أو أن يكونوا من الحي. فهذا جانب مهم للغاية".

وأوضح حسن أنه منذ عام 2005، بات من الصعب السيطرة على الوضع، لا بسبب التغييرات في الشرطة وحسب، لكن للتغييرات التي طالت سياسة التمويل أيضا؛ حيث تم توجيه الأموال نحو التجديد الحضري، بعيدا عن الجمعيات المحلية الموجودة.

وقال إن الأمر اللافت هذه المرة هو أنه "لا أحد، ولا جمعية دعت إلى الهدوء"؛ لأنهم لم يعودوا يتمتعون بسلطة التأثير على الوضع.

وذكرت وسائل إعلام فرنسية هذا الأسبوع أن ضابط الشرطة المتهم بقتل نائل، أخبر المحققين أنه ضغط على الزناد لأنه كان يخشى أن يستهدفه الشاب ذا الـ 17 عاما "ويجر" معه زميله في الشرطة.

ونفى شرطي النقطة المرورية، ويدعى فلوريان إم، تهديده بإطلاق النار على رأسه.

ولقد تحول إطلاق النار وأعمال الشغب التي أعقبت ذلك، إلى الشغل الشاغل لوسائل الإعلام الفرنسية لأيام عدة، لكن يعتقد الكثيرون أن التغطية الإعلامية لا تقل أهمية عن الدور الذي لعبته الشرطة والسياسة في تأجيج الانقسامات بين الضواحي وبقية فرنسا.

بدأت أعمال الشغب في عقار بابلو بيكاسو السكني القريب من المكان الذي قُتل فيه نائل برصاص الشرطة
التعليق على الصورة، بدأت أعمال الشغب في عقار بابلو بيكاسو السكني القريب من المكان الذي قُتل فيه نائل برصاص الشرطة

وقال دجيغوي: "عليهم التحدث عن القصص التاريخية العظيمة في الضواحي، لا أن يحدث ذلك فقط عندما وقوع أعمال شغب، فذلك سيقلل من العنصرية والخوف لدى الآخرين".

وأضاف: "علينا في الضواحي أن نعد كل أخ صغير وكل أخت صغيرة إخوة لنا. علينا أن نعد كل فرد من هذه المساكن ضمن أفراد عائلتنا"

ويعمل دجيغوي الآن على انتاج سلسلة وثائقية جديدة حول حفظ الأمن في ضواحي فرنسا، وقال إنه يعتقد أن من هم خارج الضواحي بدأوا يتيقظون لرسالته.

"عندما حدثت احتجاجات ذوي السترات الصفراء، فهموا لماذا كنا في الضواحي في مثل وحشية الشرطة البغيضة. وقلت لهم: أن يحدث ذلك متأخرا أفضل من ألا يحدث أبدا"

كانت احتجاجات ذوي السترات الصفراء، التي اندلعت في جميع أنحاء فرنسا عام 2017 ، قد أثارت جدلا داخليا بشأن وحشية الشرطة، بعد إصابة عدد من المتظاهرين بجروح خطيرة على أيدي الشرطة.

لكن في الوقت الحالي، خمدت الاحتجاجات في الضواحي وكذلك الاهتمام بها، وعادت المباني السكنية الشاهقة التي تحيط بالمدن الفرنسية المزدهرة تنحسر عنها الأضواء من جديد.